شارك رئيس الجمعية الدكتور أنور آل محمد بمحاضرة بعنوان "العلاقة بين العقل والعلم: النظرية الكونية نموذجا". في منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 22 يناير 2019م. حيث استعرض عناصر الوجود الإنساني وتعريف كل من العقل والعلم وحدود ومجال كل منهما. وكذلك طرق القياس العقلية والعلمية والفرق بينها وبين القياس المغالطي بأنواعه. وقد أشار إلى كثرة المغالطات التي يوردها ويشكل بها غير المتخصصين على بعض الأمور التخصصية العلمية بحجة عدم قبول العقل حتى وصل الحال بفوضى التشكيك لانكار بعض الأمور الوجدانية التي يمكن إحساسها مثل كروية الأرض.
وقد تم استعراض النظرية الكونية القديمة والتي جاءت نتيجة لاعمال العقل من دون الاستعانة بالأدوات العلمية النظرية والرصدية الضرورية لفهم الكون. حيث أدت تلك المحاولة إلى تشكل نظرية كونية قائمة على مركزية الأرض وانقسام الكون إلى كون أرضي تعتريه الأعراض والتبدل وإلى كون علوي جوهري مجرد لاتفنى مكوناته ولا يمكن اختراق أفلاكه. وقد أثبت العلم الحديث مدى الخطأ الكبير في فهم الكون وكيف أن الأرض والكواكب تدور حول الشمس. وقد تم رصد مئات النجوم المتفجرة بالإضافة لقدرة الإنسان بمركباته المأهولة وغير المأهولة على الخروج من الأرض.
وأما النظرية الكونية الإسلامية فقد جاءت لتستحث جميع أجزاء الوجود الإنساني من عقل وروح وجسد بالتفكير والملاحظة والرصد للنظر في هذا الكون البديع بجميع مكوناته. كما أكدت على أن الكون بجميع أجزائه مخلوق له مبدأ ومنتهى وأن الميزان الذي وضعت به الأرض هو الميزان الذي قامت به السماوات أو أن القانون والسنة التكوينية التي تحكمهم واحدة. كما لم تستبعد إمكانية خروج الانسان من الأرض والذي جعلته النظرية القديمة من المحالات العقلية.
وأما النظرية الكونية الحديثة فقد خرجت من إطار العقل إلى إطار العلم واستخدمت مختلف الطرق العلمية الحسية والنظرية لسبر أغوار وتفاصيل هذا الكون بجميع أجزائه. وكردة فعل للمقاييس العلقلية القائمة على نظام العلة والمعلول التي تنص على أن لكل معلول علة ولكل موجود موجد في عالم الإمكان، فقد أدى استخدم المعايير العلمية إلى اكتشاف خطأ النموذج القديم ومن ثم إلى عدم الاعتناء بقانون العلية فتكونت موجة من الالحاد في بدايات عصر النهضة العلمية. كذلك فإن النظرية الكونية الحديثة اعتمدت على المنهج الحسي للتحقق جميع النظريات واقصار التحقق على ذلك المنهج. وهو ما يعتبر مشابه إلى حد ما خطأ النظرية القديمة التي أقصرت فهم الكون على العقل فقط.
وفي الختام أكد المحاضر على أهمية التوازن بين دور العقل والعلم بمختلف مصادره في حفظ توازن مقاييس المجتمع وتعاطيه مع القضايا العلمية والظواهر المختلفة. وكذلك التأكيد على أن عدم التوازن في ذلك يؤدي بالضرورة إلى اختلال المقاييس. وهو ما قد يسوغ عند البعض نقد غير المتخصصين للأمور والقضايا العلمية التخصصية وإصدار الأحكام دون الإحاطة العلمية بها. وأكد أن تحصيل العلم بحاجة للتفرغ نسبيا ولاعمال جميع أجزاء الوجود الإنساني وليس شيئا يتحصل بقراءة مقال أو سماع فكرة.
وقد طرحت عدة تساؤلات من قبل الحضور حول الموضوع حيث أجاب المحاضر عن بعض تلك الأسئلة. كما طرحت بعض الأسئلة الخارجة عن موضوع المحاضرة مثل: السؤال عن أسباب الاختلاف في أهلة الشهور. فأجاب المحاضر باختصار أن المسألة لها جانبان شرعي موكول لعلماء الشريعة وجانب تكويني مرتبط بحركة القمر والشمس وهذا يمكن تحديده بعلم الفلك. أما إذا كان المعيار الشرعي هو رؤية الهلال بالعين المجردة فإن ذلك في بعض الأشهر الحرجة لايمكن تحديده بدرجة من اليقين أو الاطمئنان حتى من قبل الفلكيين العارفين بالموضوع. وذلك لوجود عوامل غير فلكية ومتغيرة مؤثرة في بداية رؤية الهلال. وهو مشابه في علم الطب لتعذر إمكانية تحديد ساعة ولادة الأجنة بسبب دخول بعض العوامل غير الطبية والمتغيرة. وقد لقيت المحاضرة تفاعل الحضور.