وحُوشٌ في السماء
السيد مجتبى الشاخوري
عند ما نرفع أعيننا إلى سماء صافية مرصعة بالنجوم المتلألئة سرعان ما يخالجنا ذلك ا لشعور المليء بالصفاء والهدوء وأحيانا الوقار فنجد أنفسنا في حالة من الاستمتاع العميق بهذه المناظر الفاتنة والمهيبة 0 ولكن القليل من الناس يدرك أنه من بين هذه النجوم المتلألئة وهذا الهدوء الوهمي تترصد لنا وحوش جبارة ومدمرة هي أكثر فتكا من أي شيء آخر عرفه التاريخ0
العلماء عرّفوا هذه الوحوش بـ(الكويكبات) أو (Asteroids) بالإنجليزية. ففي 27 سبتمبر الماضي 2003 م قد كان كويكبا عرضه 3-6 متر متوجها نحو الأرض ولكنه بالكاد أخطأها 0 لقد مر هذا الكويكب على بعد 52 ألف ميل من الأرض فقط وتعتبر هذه المسافة قريبة جدا على المقياس الفلكي حيث أنها تعني ربع المسافة بيننا وبين القمر0
ولا يكون حجم الكويكبات دائما صغير ففي 14 يونيو من العام الماضي زار الأرض كويكب عرضه 50 – 120 مترا وكان على بعد أقل من ثلث المسافة بيننا وبين القمر.ولكن الحظ لا يكون حليفنا دائما 0ففي 30 يونيو عام 1908 م اصطدم بالأرض كويكبا عرضه 60 مترا تقريبا في منطقة تونجسكا (Tunguska ) في سيبريا وأدى إلى تسوية 2000 كم2 من الغابات والأشجار تسوية تامة بالأرض 0وقد امتد تأثيره إلى بعض المناطق المأهولة فتحطمت نوافذ البيوت واحترقت ملابس المشاة.
وكذلك أيضا اصطدم كويكب وزنه 10 ملايين طن بولاية أريزونا الأمريكية قبل 50 ألف سنة وقد خلف حفرة عمقها 600 قدم وهي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا 0وقد كان هذا الاصطدام كفيل بتسوية مدينة كمدينة نيويورك تسوية كاملة بالأرض خلال لحظة الانفجار. وهناك أيضا حادثتان اخترق فيهما كويكب الغلاف الجوي للأرض ولكنه لحسن الحظ لم يصطدم بسطح الأرض، كانت إحداهما في 10 أغسطس عام 1972 م فوق غرب الولايات المتحدة وكندا والأخرى في عام 1991 م فوق الولايات المتحدة وفي كلتا الحادثتين شوهدت كرة ملتهبة من النار في وضح النهار 0
قد يتساءل البعض الآن من أين تأتي هذه الأجسام المدمرة والمسماة بالكويكبات وما هو مصدرها. يكمن المصدر الأساسي لهذه الكويكبات في الواقع في عملية نشأة وتطور نظامنا الشمسي فالمعروف أن النظام الشمسي قد تكون من سحابة ضخمة من السديم الغازي الذي أخذ يشكل دوامة هائلة على مر ملايين السنين ثم بدأ بالتكيف والتكتل إلى كتل ضخمة كونت فيما بعد الشمس والكواكب حولها وأقمار الكواكب 0أما بالنسبة للقطع أو الكتل الصغيرة فكونت الكويكبات –وهي أجسام صخرية معتمة تتراوح أحجامها من عدة سنتمترات إلى عشرات الكيلومترات.
وفي تلك الحقبة الزمنية حين كانت الكواكب في بداية نشأتها، كان النظام الشمسي يعج بهذه الكويكبات التائهة وكانت الإصطدامات لا تُعَدْ، ويكفينا النظر إلى سطح القمر المليء بالحفر والآثار التي خلَّفتها هذه الكويكبات.
وفي الوقت الحالي تتجمع هذه الكويكبات بشكل رئيسي على شكل نطاق أو حزام بين كوكبي المريخ والمشتري ولكنه تم مؤخراً تصنيف ثلاث مجموعات أخرى من الكويكبات لها مدارات أقرب إلى الأرض وبعضها يتقاطع مدارها مع مدار الأرض ومن حين لآخر يطرب مسار بعض هذه الأجسام بسبب جاذبية المشتري الهائلة أو بسبب التصادمات في ما بينها فتتخذ مسار جديد قد يتقاطع مع مسار كوكب آخر كالأرض أو المريخ وبالتالي يؤدي إلى احتمال وقوع التصادم.
ويجدر بنا الذكر هنا بأن الكويكبات ليست هي الأجسام الوحيدة التي تشكل خطراً على كوكب الأرض فالمذنبات تعتبر وحوش أكثر فتكاً من الكويكبات لأن حجمها عادة ما يكون أكبر . وتوجد هذه المذنبات على بعد ملايين الكيلومترات بعد كوكب بلوتو وتشكل بعددها الكبير سحابة هائلة تغلف المجموعة الشمسية وتعرف هذه السحابة بسحابة الأورت Oort cloud)) ولسبب أو لآخر يطرب مسار بعض هذه المذنبات فتتجه إلى داخل المجموعة الشمسية مما يشكل خطر اصطدامه بأحد الكواكب ولكن المشتري بجاذبيته الهائلة يشكل ذرعاً واقياً لبقية الكواكب الأقرب منه إلى الشمس فيقوم عادةً بأسر هذه المذنبات أو تغيير مسارها إلى خارج المجموعة الشمسية. نذكر هنا مثالاً بأنه في عام 1994م أسَرَت جاذبية المشتري مذنباً يدعى ( Shoemaker-levy9 ) فأخذ هذا المذنب بالدوران حول المشتري ثم تهشم إلى عدة قطع فأخذت هذه القطع بالاصطدام بالمشتري الواحدة تلو الأخرى. كانت جميع التلسكوبات على كوكب الأرض في ذلك اليوم موجهة نحوها. لقد أدت هذه الاصطدامات إلى اضطراب جو المشتري اضطراباً شديداً وظهرت عواصف وبقع ملونة دامت عدة شهور.
ولو لم يكن المشتري موجوداً لكان ممكناً لهذا المذنب الاصطدام بالأرض وتحويلها إلى غبار في الفضاء في طرفة عين!!لقد أدت هذه الحوادث إلى إدراك الحكومات الخطر الذي تشكله هذه الأجسام على كوكب الأرض فظهرت عدة مشاريع كمشروع (linear ) ومشروع (NEAT) مهمتها رصد الأجسام القريبة من الأرض (NED) وقد رصد مشروع (LINEAR) أكثر من 1000 كويكب قريب من الأرض وأكثر من 100 مذنب.
الجدير بالذكر هو أن الكثير من هذه الكويكبات لا يتم رصدها إلا بعد عدة أيام من مرورها بالقرب من الأرض فالكويكب الذي مر بالأرض في يونيو العام الماضي قد تم رصده بعد ثلاثة أيام من مروره بالأرض وكذلك الكويكب الذي مر في سبتمبر من السنة الحالية قد تم رصده بعد يوم من مروره بالأرض فمع كون التكنولوجيا الحالية قادرة على إنقاذنا من خطر هذه الأجسام إلا أنه لا توجد حالياً أية طريقة لاكتشاف هذه الكويكبات في الوقت المناسب الذي يمكّننا من إنقاذ الأرض.