الحياة خارج الأرض
المهندس محمد العصيري-عضو الجمعية الكونية السورية
هل هناك حضارة أخرى في الكون ؟أين هم الآخرون ؟ هل هم أكثر تطوراً ؟
لقد سحرت هذه الأسئلة وغيرها البشرية قروناً عديدة وانتقلت الإجابة عن هذه الأسئلة من الأفكار إلى قصص الخيال العلمي إلى المناحي الاستكشافية التطبيقية وعلى مدى الخمس سنوات الماضية أخذت الإجابة عن هذه الأسئلة منحى آخر وخاصة بعد اكتشاف العديد من الكواكب التي تدور حول النجوم خارج نظامنا الشمسي .
إن التساؤل أين هم إذاً سكان هذه الكواكب ؟ وإن وجدوا أليس من المفترض أن يكونوا بيننا ؟ يعرف بمفارقة فرمي .
لنبدأ بالبحث عن الآخرين في مجموعتنا الشمسية :
لنأخذ الكوكب الأكثر قرباً إلى الشمس عطارد :
يتميز عطارد بدورانه البطيء حول محوره وبدرجة حرارة تصل في النهار إلى 400درجة بينما في الليل تنخفض حتى 200 درجة تحت الصفر .
سطح عطارد سطح غير محمي ومليء بالفوهات البركانية ولا يمكن أن يحوي على أي شكل من أشكال الحياة .
أما كوكب الزهرة توأم الأرض يبتعد عن الشمس ضعف بعد عطارد عنها يتميز في كونه يمتلك درجة حرارة ثابتة تقدر تقريباً 450درجة وذلك بسبب وجود غلاف جوي كثيف من أكسيد الكربون الذي يولد حاجزاً قوياً يعيق مرور أشعة الشمس وهذه الحرارة المرتفعة تقتضي على جميع أشكال الحياة عليه .
كوكب المريخ أكثر الكواكب المحتمل نشوء حياة عليه منذ القديم ثم اندثرت هذه الحياة يتميز بحجمه الصغير بالنسبة للأرض وبصحراويته وبغلافه الجوي الرقيق الخالي من الأكسجين و الأوزون لكن هذا الكوكب كان في الماضي أكثر حرارة ورطوبة ومن الممكن أن يكون قد استضاف الحياة على سطحه .
المشتري أكبر الكواكب هو كوكب غازي يعادل حجمه حجم أحد عشر أرض وهو مليء بالهيدروجين والهليوم أما زحل ذو الحلقات فهو أيضاً غازي لكن ما يميزه هو قمره تيتان أكبر أقمار زحل يتميز بغلاف جوي بكثافة تشابه الكثافة في بداية حياة الأرض وبنفس النشاط الكيميائي العضوي .
أما نبتون و أورانوس وبلوتو فبعدهم عن الشمس يلغي فكرة احتمال وجود الحياة .
وهناك أيضاً يوروبا قمر المشتري الذي يحوي على جيوب من الماء .
من خلال الدراسة الأولية لكواكب المجموعة الشمسية نجدها خالية من أي مظهر من مظاهر الحياة الراقية المتطورة لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية وجود حياة بدائية .
لننتقل للبحث عن الحياة في منظومات شمسية أخرى :
لقد ركزت هذه الدراسة في البداية على النجوم القريبة وذلك لسهولة قياس تردداتها ورؤيتها وبدأت من المجموعة النجمية (Lira) حيث هناك النجم(vega) لكنها عانت من مشاكل كثيرة .وبحلول عام 1995 اكتشف أول كوكب (اكتشفاه مايور و كويلوز من مرصد جنيف بسويسرا ) يدور حول نجم هذا النجم هو بيكاسي 51الذي يبعد مسافة خمسين سنة ضوئية عنا (Pegasi 51) من المجموعة النجمية بيكاسوس وتم اكتشاف الكوكب عن طريق دراسة ظاهرة دوبلر وذلك باهتزاز طيف ضوء النجم بين الأحمر والأزرق وبالتالي تمكن العلماء من كشف خصائص هذا الكوكب (مدة دورته حول النجم 4أيام ويتحرك بسرعة 482ألف كم في الساعة )
وتوالت الاكتشافات حتى أصبحوا ثمانية كواكب في عام 1997 أما كيفية اكتشاف هذه الكواكب فهي :
يؤثر الكوكب الدائر حول نجم ما بقوة تثاقلية في هذا النجم المضيف وهي قوة تدفع النجم إلى الحركة في مسار دائري أو أهليجي هو نسخة مصغرة لمدار الكوكب وكراقصين يشد أحدهما الآخر ليتحرك حركة دائرية فإن ارتعاش النجم يكشف عن وجود كواكب تدور حوله وذلك على الرغم من أننا لا نتمكن من رؤيتها مباشرة .
لكن المشكلة تكمن في أن الحركة النجمية تبدو صغيرة جداً من مسافة كبيرة .
فإذا حدق أحد بشمسنا من موقع يبعد عنها 30سنة ضوئية فإنه سيراها متهادية في دائرة لا تتجاوز حيز القطعة المعدنية لليرة مثلاً عندما ترى من مسافة 10000كم ومع ذلك فإن تهادي النجم يمكن أن يكشف بواسطة مفعول دوبلر لضوء النجم فعندما يتأرجح النجم جيئة وذهابا بالنسبة إلى الأرض فإن موجاته الضوئية تمتد ثم تنضغط دورياً متنقلة بالتناوب نحو نهايتي الطيف الحمراء والزرقاء وانطلاقاً من الأنزياحات الدوبلرية الدورية يستطيع الفلكيون أن يرسموا مسار تهادي النجم وأن يحسبوا استناداً إلى قانون نيوتن في الحركة كتل الكواكب وعناصر مداراتها وأبعادها عن النجم المضيف ولكن انزياح دوبلر الدوري يظل صغيراً جداً إذ أن تقلصات الموجات الضوئية وتمدداتها التي تنشأ عن جذب كوكب ضخم شبيه بالمشتري لا تتجاوز جزء من عشرة ملايين تقريباً فالشمس على سبيل المثال تتهادى بسرعة 12.5 متر في الثانية فقط وذلك بتمايلها حول نقطة واقعة خارج سطحها وقريبة جداً منه وبالتالي فالبحث عن كواكب تدور حول نجوم أخرى يحتاج إلى دقة كبيرة جداً وبخطأ أقل من عشرة أمتار في الثانية .
لنعود قليلاً إلى نشأة الكواكب في منظومتنا الشمسية :
لقد نشأت الكواكب عن السديم الغازي الدوار (المكون من الغبار الكوني وغاز الهيدروجين ) نتأ عنها القرص المنبسط المكون للكواكب كما عجينة فطائر البيتزا عندما تفتل ويقذف بها في الهواء .
إن مادة القرص هذه تتحرك حركة دائرية في الاتجاه نفسه الذي تدور به الكواكب التسعة وفي المستوي نفسه واستناداً لذلك لا يمكن للكواكب أن تكون قريبة من النجم بشكل كبير ولا بعيدة جداً عن النجم .
في الوقت الراهن ازداد عدد الكواكب المكتشفة وهو في ازدياد ويحاول العلماء تطوير الإمكانيات حتى يستطيعوا اكتشاف الكواكب التي هي بحجم الأرض أو الكواكب الصالحة لنشوء الحياة عليها والتي تتميز بحرارة معتدلة ومناسبة لوجود الماء السائل الذي يشكل الوسط المناسب لخلق الحياة و يقوم مقام المازج والمذيب لتفاعلات الكيمياء العضوية والحيوية هذه الكواكب يجب أن تدور على مسافات معينة من نجمها وعلى مدارات محظوظة .
نضيف لذلك يجب أن يحوي الكوكب على الغلاف الجوي والذي يضم الأكسجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكربون والذي يحمي الكوكب من الإشعاعات الضارة الصادرة عن النجم مثل الأشعة فوق البنفسجية .
وحتى عند اكتشاف مثل هذه الكواكب علينا العودة لحل مفارقة فرمي فقد تحوي أحد هذه الكواكب على حضارة متقدمة راقية لكن لنسأل السؤال التالي ما الذي يمنع اتصال الحضارات إن كانت موجودة ؟
هناك عدة أمور يجب أن تأخذ بعين الاعتبار فقد يكون الطيران في الفضاء بين النجوم غير ممكن الأمر الذي لا يبيح للا أرضيين القدوم إلينا حتى لو كانوا يرغبون في ذلك وقد تكون الحضارات اللا أرضية منشغلة جداً باستكشاف المجرة لكنها لم تصل إلينا بعد وقد يكون السفر عبر النجوم متاحاً لهؤلاء اللا أرضيين ولكنهم اختاروا عدم القيام به وأخيراً قد يكون اللا أرضيون مشغولين بتحري جوار الأرض ولكنهم قرروا عدم التدخل في شؤوننا .
إذا استطعنا حذف كل من هذه التفسيرات من مفارقة فيرمي فسيكون علينا أن نواجه احتمال أن نكون أكثر أشكال الحياة تقدماً في المجرة .
من الواضح أن التفسير الأول غير مقبول فلا يوجد مبدأ فيزيائي أو هندسي معروف ينفي إمكانية الطيران الفضائي بين النجوم ونحن على الأرض نفكر بنسبة 10 حتى 20 في المئة من سرعة الضوء مما سيسمح بالسفر للنجوم القريبة في غضون عقود من الزمن .
وللسبب ذاته نجد أن التفسير الثاني لا يخلو أيضاً من المشكلات فالحضارة التي تمتلك تقانة متقدمة في صنع الصواريخ يجب أن تكون قادرة على استعمار كامل المجرة في زمن قصير وفق السلم الكوني فعلى سبيل المثال لندخل في اعتبارنا حضارة ترسل مستعمرين إلى بعض المنظومات الكوكبية القريبة منها فإن هؤلاء المستعمرين سيرسلون بدورهم بعد أن يستقروا في المستعمرات الجديدة مستعمرين ثانويين تابعين لهم وهكذا دواليك فيزداد عدد المستعمرات أسياً .
أن أية محاولة لحل مفارقة فرمي يجب أن تعتمد على فرضيات تتعلق بسلوك الحضارات الأخرى فمثلاً قد تدمر هذه الحضارات ذاتها أولاً أو قد لا تبدي أي اهتمام في استعمار المجرة أو أن لديها قواعد أخلاقية متينة مناهضة للتدخل في الأشكال البدائية للحياة .
يمكن القول إنه مهما كانت الحضارات اللا أرضية سلمية أو محبة للاستقرار أو غير فضولية فسيكون لديها كلها في النهاية دافع لهجرة بين نجمية لأنه لا وجود لنجم يدوم إلى الأبد ويشهد تاريخ المجرة كيف استنفدت مئات النجوم الشبيهة بالشمس وقودها من الهيدروجين .
إن الندرة الواضحة للحضارات التقانية تتطلب تفسيراً هل يمكن للعشوائية أن تلعب دورها ؟
لقد أصبح بمقدورنا جعل قصص الأطباق الطائرة قصص أكثر واقعية بل أصبح بإمكاننا أن لا نجزم بأنها خيالية بل هي أشياء ممكنة وقد تكون هي الحضارة المبحوث عنها تتردد لزيارتنا وتفقد أحوالنا على كل حال يمكن أن نطلق العنان لخيالنا ولنتأمل على ماذا سنحصل !
قد نكون مثلاً تجربة وضعتها حضارة متقدمة على هذه الأرض لإجراء الاختبارات علينا وملاحظة تطورنا وهم لا يزورونا حتى لا يتدخلوا بنتائج تجربتهم .
أو قد تكون الأطباق الطائرة رحلة عبر الزمن من المستقبل إلينا .
هناك العديد من الأفكار الممتعة التي يمكن أن نتخيلها ولا نستطيع الجزم بخطأها .
إن ما تكلمنا عنه ناتج من وجود بلايين البلايين من النجوم في كوننا وحسب ما تعلمناه من المنطق الرياضي احتمال وجود حياة عاقلة في الكون احتمال كبير جداً و يبقى السؤال بحاجة إلى إجابة :
هل نحن وحدنا وإن لم نكن أين الآخرون ....