عبد الأمير المؤمن - عضو منتسب
هذا الخبر لم يكن معروفاً قبل القرنِ العشرينَ ، ولعلّه أهم خبر في القرن المذكور وأكثرها إثارةً للعقول .
فهذا الخبرُ العلميُّ قطع الجدلَ القديمَ بين القائلينَ بأزليةِ الكونِ وحدوثه ؛ فألجَمَ القائلينَ بالأزليةِ الكونيةِ ، وقدَّمَ الدعمَ الكافيَ للمؤمنينَ بحدوثهِ وبدايتِهِ وظهورهِ ، بعد أن لم يكن .
فَـلْـنُصَـفِّـقْ إذنْ للعلمِ ! ، لتأديةِ دوره على أحسنِ ما يُرامُ ( وهذا هو دورُهُ الحقيقي ) إنّه اليومَ يقولُ : إنَّ الكونَ حادثٌ ، بدأ ببدايةٍ ، وسوفَ ينتهي بنهاية .
بَدأ بهذا الخبر ، أو الاقتراح ، أو الاكتشاف الرياضيُّ الروسيُّ : ( ألِـكسندر فريدمان – 1888 ـ 1925 م ) بحساباتٍ ، بَيَّنَ فيها أن تركيبَ الكون ليس ساكناً . وجاءَ الفلكيُّ البلجيكي ( جورج لوميثر ) 1894ـ1966م ، فكانَ أول من أدركَ أهمية حسابات فريدمان ، وعلى أساس تلك الحسابات قالَ الفلكيُّ لوميثر : إنَّ للكونِ بدايةٌ ، وإنه في تَوَسُّـعٍ مُستَمرّ .
وكان ما قاله العالمان الفلكيان المذكوران هو أفكارٌ نظريّةٌ ، وحساباتٌ رياضية ، لم تَحْظَ بالاهتمام الكافي ، لكن الأدلة العلميةِ التي تلت تلكَ الأفكارِ ، أدَّتْ بالعالِمِ الفلكي " أدوين هابل "( 1889ـ1953م ) ـ الذي كان يعملُ في مرصدِ جَبل " ولسن " بكاليفورنيا ـ إلى الإعلانِ عن أهم الاكتشافاتِ في تاريخِ علم الفلك الحديثِ .
فمن خلالِ أرصاده ومُلاحظاتِه ، اكتشفَ أن ضوءَ النجومِ ينحرفُ نحو الجانبِ الأحمر من الطيفِ ، وهذا الانحراف يدلُّ على ابتعادِ النجمِ عن الأرضِ ، وأن الضوء المنحرف نحو الجانب البنفسجي من الطيفِ يدل على الاقتراب مِنَّـا .
و مِنْ ذلك أدركَ " أدوين هابل " أن الأجرام السماوية تتباعدُ عَنّا ، وكلَّما كان الجرمُ أبعدَ كان أسرع ، وبذلك وجدَ " هابل " دليلاً رَصدِيًّا لِفكرة " لومتثير " النظرية .
وعلى هذا فالكونُ يتمدّدُ ويتوسّعُ ويَكبُرُ ، وهذا يعني أن الرجوعَ إلى الوراء يقودنا إلى كونٍ أصغرَ . وإذا رجعنا إلى الوراء ، أكثر ، وعلى زمنٍ بعيدٍ ، فستتقاربُ مادة الكون لتنكمشَ وتتكدَّسَ في النّهاية ، في نقطةٍ واحدةٍ . وهذا يعني أيضاً : في وقتٍ ما ( ويُقَدَّرُ بنحو 15ـ20 مليار سنةٍ ) كانت مادةُ الكونِ وطاقتُه مُكدَّسةً في كُتلةٍ واحدة ، حَجْمُها ( صفر ) ، بسببِ قوّة الجذب الهائلةِ ، وانفجرت تلك الكتلة ليبدأَ الكون ، ويتطوّرُ ويصل إلى ما هو عليهِ الآنَ من التنظيم والجمالِ .
وفي سنة 1948 م جاءَ العالمُ الفلكيُّ " غموف " ليقولَ : إنَّ الانفجارَ عظيمٌ حقًّا ! ، ويفترضَ أنّ تكونَ هناك كميّة قليلة محدودة من الإشعاع ، بقيت من ذلك الانفجار العظيم الأول ( Big Bang ) .
وفي سنة 1965 م ، تَرصد الباحثان " أرنو بنزياس " وَ " روبرت ولسن " ما تنبأَ به " غاموف " ، فاكتشفا صدفةً الإشعاعَ الخلقيّ الكونيّ الآتي من كل مكانٍ . وفي سنةِ 1989 م أكّدَ القمرُ الصناعي COBE وجودَ بقايا الإشعاع الكونيّ الخلقيّ .
وهكذا حقبة من السنين ( نحو سبعين سنة ) أكدّت فكرةُ ولادة الكون من العدم ( بعد أن لم يَكُن ) ، وألغتْ بالتمام نظريّةَ الكون المستقر : Steady State Theory . النظرية التي تقول : ليس للكونِ بدايةٌ ولا نهاية ، وكلَّ الأفكارِ المُشابِهة .
وماذا يعني ذلك في حسابات الكون ؟
إنه يعني التعانق الحار بين العالم والدين ، يعني رجوع العلاقة الطبيعية الصحيحة بين الطرفين ، تلك التي كدّرها الذين لا يؤمنون بالله ، باعتقادهم الخاطئُ أن العلمَ لا يلتقي مع الدين .
إنّ فكرة البداية الكونية قطعت كل الخطوط على من يقولُ بالكونِ الأزليّ ، من أرسطو ( القرن الرابع قبل الميلاد ) إلى ألفْرِد هويل Hoyle ( في القرنِ العشرين ) .
إنه اليوم كونٌ له عُمر محدود ، ولد بعد أن لم يكن . وُلِدَ بقوّةٍ مُطلقةٍ ، مُغايرةٍ له ، وأقوى منه بكثير ؛ لأن المادة لا تَصنعُ مادةً ولا كوناً . إنّه اللهُ تعالى ، الذي ليسَ كمثلهِ شيءٌ .
" بديعُ السمواتِ والأرضِ أنّى يكونُ له ولدٌ ولم تكن له صاحبةٌ ، وخلقَ كلَّ شيءٍ وهو بكل شيءٍ عليم " الأنعام . الآية 101 .