الدكتور غازي أبو شقرا- نقلاً من مجلة الصفر / العدد 19 (نوفمبر 1987م)
هو محمد بن حسين بن عبد الصمد الملقب ببهاء الدين الحارثي العاملي الجبّعي الهمذاني، ولد في بعلبك على حد رواية ابن معصوم في شهر ذي الججة سنة 953 للهجرة الموافق لسنة 1547 للميلاد، بينما يذهب الطالويّ إلى تأكيد ولادته بقزومين. وانتقل فيما بعد مع أسرته إلى بلاد العجم منتحيا اصفهان. ونهل العلم في معاهدها. ثم حطت به الرحال في مصر والقدس الشريف وحلب. وبعدها قفل عائداً إلى اصفهان حيث قضى نحبه في شهر شوال سنة إحدى وثلاثين وألف للهجرة الموافق لسنة 1622 للميلاد. وذلك طبقاً للترجمة التي أوردها الشيخ أحمد بن علي الشهير بالمبني في صدر شرحه لقصيدة الشيخ بهاء الدين العاملي في مدح صاحب الزمان السيد محمد المهدي ( كتاب الكشكول العاملي - طبعة المطبعة العامرة الشرقية بخان أبي طاقية بمصر سنة 1885م). ونقلت رفاته إلى طوس حيث دفن فيها في جوار الأمام الرضا. ولقب الحارثي نسبة إلى حرث أو حارثة. والهمذاني نسبة إلى قبيلة همذان. أما لقب العاملي فهو عائد إلى بني عاملة ( جبل عامل في جنوب لبنان ) والجبعي نسبة إلى قرية جباع الحلاوة تمييزاً لها عن جباع الشوف.
هنالك سيل عرم من آثار النابغة بهاء الدين نذكر منها كتاب التفسير المسمى بالعروة الوثقى والصراط المستقيم والتفسير المسمى بـعين الحياء والتفسير المسمى بالحبل المتين في مزايا القرآن المبين ومشرق الشمسين وإكسير السعادتين، وحاشية على أنوار التنـزيل، ورسالة في وحدة الوجود و مفتاح الفلاح، وزبدة الأصول، و أربعون حديثاً، ودراية الحديث أو الرسالة الوجيزة، والجامع العباسي والحديقة الهلالية، والرسالة الاثنا عشرية، وهداية الأمة إلى أحكام الأئمة وحديقة السالكين.وفي ميدان اللغة والأدب الفوائد الصمدية في علم العربية وأسرار البلاغة وتهذيب النحو و المخلاء والكشكول...
ولقد تجاوزت آثاره الموسوعية الخمسين مصنفاً ما بين كتاب ورسالة ومقالة. والأثر الأبرز في كتاباته تعدى المؤلفات اللغوية والدينية والأدبية إلى حقل علمي فائق الأهمية ألا وهو العلوم الرياضية والفلكية، نورد منها على سبيل الحصر: خلاصة الحساب المسمى (البهائية) نسبة إلى بهاء الدين نفسه. أما بحر الحساب وهو مصنف ضخم فلم يحقق العاملي الحلم الذي راوده بإنجازه ، ورسالة في الجبر والمقابلة، وتشريح الأفلاك، والرسالة الحاتمية في الاسطرلاب (أو البوصلة) ، ورسالة الصفيحة أو الصفحة، ورسالة جهانما في الاسطرلاب، ورسالة في تحقيق جهة القبلة، والملخص في الهيئة، ورسالة كرية (الكرة الهندسية) ...
وسنبرز في هذا البحث المعالم العريضة بكتاب العاملي الخلاصة في علم الحساب
والجبر والمقابلة, ونورد بادئ ذي بدء صورة عن المدخل الذي قدم به العاملي كتابه فيقول: أما بعد فإن الفقير إلى الله الغني بهاء الدين محمد بن حسين العاملي انطقه الله بالصواب في يوم الحساب ، يقول: إن علم الحساب، فلا يخفى علو شأنه وسمو مكانه ورشاقة مسائله ووثاقة دلائله، لافتقار كثير من العلوم إليه، وانعطاف جسم غفير من المعاملات عليه، وهذه رسالة حوت الأهم من أصوله، ونظمت المهم من أبوابه وفصوله، وتضمنت منه فوائد لطيفة هي خلاصة كتب المتقدمين، وانطوت منه على قواعد شريفة هي زبدة رسائل المتأخرين سميتها خلاصة الحساب، ورتبتها على مقدمة وعشرة أبواب.
هل يختلف هذا التمهيد في شيء تعبيراً وأسلوباً عن المنهج العلمي الحديث؟ خاصة عندما يؤكد العاملي على خلاصة كتب المتقدمين وزبدة رسائل المتأخرين كما هي الحال اليوم في كل مبحث علمي جامعي السمات ينطلق من الذخائر العلمية السابقة لبحثه في شكل جامع تكاملي الحلقات شمولي الأبعاد. ثم يتطرق إلى أهمية علم الحساب وسمو مكانته ورشاقة مسائله على حد تعبيره الأخاذ حيث يشخص العاملي علم الحساب واصفاً رشاقته ومؤكداً على وثاقة ودقة دلائله. ومن جهة أخرى يظهر تكامل العلوم الرياضية مع أبواب العلوم الأخرى بتكاملها معها تبعاً للتداخل الموضوعي بين العلوم جميعها.
ومن هذا المنحى تفوح روح العصر من الخمائل البهائية العاملية المتضوعة نشراَ بكل طيب ، هذه الآثار التي ترجمت إلى لغات عدة حيث نهل من معينها علماء الغرب الحديث الشيء الكثير لأنها مثلت زبدة الفكر الرياضي في الحقبة الممتدة من أواخر القرن السادس عشر للميلاد حتى أواسط القرن السابع عشر الميلادي فأسهمت مع مؤلفات الخوارزمي في النهضة الأوروبية حيث اعتمد منطلقاً للأبحاث العلمية الحديثة بانتقال الناصية من المشرق إلى الغرب تبعاً لمنطق التناغم الحضاري والتكامل بين بني البشر .
ونعرض الآن للمقدمة التي صاغها العاملي لكتابه الخلاصة في الحساب فيقول : الحساب علم يستعلم منه استخراج المجهولات العددية من معلومات مخصوصة، وموضوعة العدد الحاصل في المادة كما قيل، ومن ثمة عدّ الحساب من الرياضي وفيه كلام، والعدد قيل كمية تطلق على الواحد وما تألف منه، فيدخل فيه الواحد، وقيل نصف مجموع حاشيتيه فيخرج.
يعني ذلك أنه القيمة المتوسطة للعددين السابق له واللاحق به عل التسلسل الطبيعي، ( كأن يكون تعريف الأربعة بالوسط الحسابي للعددين 3 ، 5 ) ، فإن الواحد لا يدخل حسب هذا التعريف في العدد، إلا إذا كانت الحاشية تشمل الكسر، فعندئذ نستطيع تعريف الواحد على أنه القيمة المتوسطة لحاشيتيه، وهما في هذه الحال 1/2 ، 1/5 علماً أن العدد وحاشيتيه لا بد وأن يكونا متوالية عددية ذات تزايد ثابت.
ويتابع العاملي: والحق أنه ، أي الواحد ، ليس بعدد وإن ألف منه الأعداد كما أن الجوهر الفرد عند مثبتيه ليس بجسم وإن تألف منه الأجسام، وهو إما مطلق فصحيح، أو مضاف إلى ما يفرض واحداً فكسر، وذلك الواحد مخرجه. والمطلق إن كان له أحد الكسور التسعة، أو جذر فمنطق وإلا أصم، والمنطق إن ساوى أجزاءه فتام. أو زاد عليها فزائد أو نقص عنها فناقص...
وفي هذا المنحى ، يعمد العاملي إلى تقسيم العدد إلى صحيح وكسر ، والكسور التسعة هي : 1/2 ،1/3 ،1/4 ،1/5 ،1/6 ،1/7 ، 1/8 ، 1/9 ، 1/10، وإن كان للعدد جذر صحيح يطلق عليه تسمية جذر منطق، وإن لم يكن صحيحاً سمي جذراً أصمّاً.
والعدد إن ساوى مجموع عوامله فهو تام، فإن زاد عليها أو نقص أطلق عليه عدد زائد أو ناقص على التوالي، مثال ذلك العدد 6 ، فإن عوامله هي : 1، 2 ، 3 بمعنى أنه يقبل القسمة على أي منها، ومجموع هذه العوامل يساوي 1+ 2+ 3 = 6 = العدد المراد. ومن هنا اتسمت تسميته بالتام. أما في العدد 4، على سبيل المثال، فعوامله 1، 2 ومجموعها 3 (1+ 2) فيكون العدد 4 الحالة تلك عدداً زائداً. وفي صورة معكوسة: إذا اخترنا العدد 18، على سبيل المثال، فعوامله هي 1، 2، 3، 6، 9، ومجموعها 1+ 2+ 3+ 6+ 9= 21، وبذلك يكون العدد 18 انقص من مجموع عوامله، ولهذا السبب يسمى عدداً ناقصاً.
ثم يتابع العاملي في مقدمته شارحاً مراتب العدد ، فيقول : ومراتب العدد أصولها ثلاثة، أحاد وعشرات ومئات، وفروعها ما عداها مما لا يتناهى، وتعطف إلى الأصول، وقد وضع لها حكماء الهند الأرقام التسعة المشهورة. والعدد يتركب من الأرقام التسعة الواردة الذكر من الواحد إلى التسعة. أما الصفر فيعني خلو المرتبة في أي من هذه الأرقام التسعة. وهكذا فإن الرقم 10 يتشكل من جمع الطرفين 1+9 = 10. والصفر هو ذلك الكم المتصل حسب التعبير الفيتاغوري. والواحد هو ذلك الكم المنفصل أو الواحد الأحد الفرد الصمد المنـزه عن الأزواج والعدد بالمفهوم الإسلامي، ويتوامأ مع حرف الألف الأبجدي وقيمته بحساب الجمّل واحد.
ولمنزلة الصفر في ثنائية العدد Binary أهمية قصوى في استخدامات علم الرياضيات اليوم في الحاسب الآلي ميمنة وميسرة. وهكذا فقد احتوى بهاء الدين العاملي العلامة العربي الموسوعي علوم عصره الرياضية في مصنفيه الخلاصة في الحساب والكشكول حيث هضمها ومثّلها إذا صح التعبير، وذلك في رؤية شمولية خارقة جمعت استخراج المجهولات بالطرق الحسابية الأساسية التي تشمل قواعد حساب الأعداد الصحيحة أو الصحاح من جمع وطرح وضرب وقسمة، وقواعد حساب الكسور في العمليات الأربع من بيان تجنيس الكسور في توحيد مخارجها ورفعها ،وميزان العدد للتأكد من صحة العمليات الحسابية طبقاً لهذه القاعدة الذهبية كما سميت حيث تطلق تسمية الميزان على ما يبقى من العدد أو من حاصل الجمع أو الطرح أو الضرب بعد اسقاطه تسعة تسعة، وكذلك طريقة إيجاد الجذر للعدد الصحيح وللكسر، واستخراج المجهولات بطريق الحساب معتمداً على طرق فذة ابتكرها ،منها طريقة استخراج المجهولات بالأربعة المتناسبة، أي تناسب المقادير: عدد1/عدد2 = عدد3/عدد4. حيث يسمى عدد ( 1 ) وعدد ( 4 ) الطرفين، وعدد (2) وعدد (3) الوسطين. فإذا علم ثلاثة مقادير منها سهل إيجاد المقدار الأخير.
ويشمل التراث الموسوعي لعالمنا أيضاً خواص الأعداد : المتماثلة والمتداخلة ، والمتوافقة والمتباينة ،والأعداد التامة والزائدة والناقصة كما بينا آنفاً ، وكذلك الأعداد المتحابة كالعددين 220 و 284 حيث أن مجموع عوامل كل منهما يساوي مجموع عوامل الآخر، ويقصد بعوامل العدد بهذا الصدد جميع الأعداد التي يقبل القسمة عليها بدءاً من الواحد الصحيح.ثم تطرق إلى جمع المتواليات وإلى الجبر والمقابلة وإلى المسائل التي تتقبل حلولاً عدة، وإلى المسائل المستحيلة الحل إلى تعيين المساحات والحجوم ، وإلى أعمال المساحة العملية.