الدكتور حسن باصرة - أستاذ بقسم الفلك بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
أحاط المولى عز وجل كوكب الأرض بعدد من الأغلفة منها مانحس به ولانراه وهو الغلاف الجوي الغازي ومنها مالانرى ولانحس به مباشرة مثل الغلاف المغناطيسي، ونحن الآن بصدد الغلاف الغازي وهو ذو تركيب متجانس تتضح فيه العناية الإلهية لتهيئة سبل الحياة على هذا الكوكب كما يشاء سبحانه وتعالى. فالغلاف الجوي يحتوي على العناصر المهمة لتنفس جميع أنواع الحياة، وكذلك يعمل على تسخير الرياح لتحريك السحب وهطول الأمطار في مناطق مختلفة تحت مايسمى بالدورة الطبيعية للمياه.
بالإضافة لذلك فلقد تميز الغلاف الجوي بظواهر طبيعية أخرى تؤثر على الضوء الساقط والواصل إليه من الفضاء الخارجي مثل التشتت والانكسار والانعكاس والامتصاص. فكل ظاهرة منها لها مهمة معينة، وبالتالي يتم التحكم في كمية الأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض والاحتفاظ بها وذلك ما يعرف بظاهرة البيوت الزجاجية (green house effect). ويقوم الغلاف الجوي كذلك بتفتيت صغار النيازك (الشهب) التي تسقط على الأرض يومياً وموضوع تفتيت الغلاف الجوي لمادة الشهب لم يتناولها أو قال بها العلم الحديث إلا في القرنين الماضيين، ولعل العربي الجاهلي عرف أمر تفتيت الشهب ببعد نظره وشدة تخيله إذ يظهر ذلك في قول لبيد يرثي الطفيل بن عامر:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه * يحور رمادا بعدما هو ساطع
وما المال والأهلون إلا ودائع * ولابد يوما أن ترد الودائـع
أما من الناحية الفلكية الرصدية فيعتبر الغلاف الجوي الغازي مصدر لأكبر المشاكل التي تعوق الرصد وهذا يتضح جلياً في موضوع رؤية أهلة أوائل الأشهر العربية حيث يكثر القول ويختلف في إمكانية الرؤية للهلال من عدمها بالرغم من الجزم الرياضي بوجود الهلال فوق الأفق، وما نتج هذا الاختلاف إلا من التقادير المتفاوتة للتغيرات التي تطرأ على الغلاف الجوي على كل المقاييس الزمنية، التي تختلف من أدنى من ثانية إلى فترات طويلة، وبالتالي ظهر عدد من معايير الرؤية.
ومن هذه التغيرات ما يحدث للغلاف الجوي من اضطراب مستمر ينتج عنه تذبذب وتغير في شدة إضاءة النجوم أثناء عبور أشعتها للغلاف الجوي وهذا مايشاهده بالفعل أولئك الذي يعيشون في البوادي والذين يتنعمون بسماء صافية تتميز بسواد داكن يمتد من الأفق إلى الأفق وفي جميع النواحي، لذا فإن ظاهرة التذبذب لم تكن خافية على القدماء فقد دُوِّنَ أثرها في ديوان العرب عندما شُبِهَ هذا التغير في الإضاءة وكأنه ارتجاج زئبق في زجاجة فقال عنترة يصف تذبذب لمعان النجوم بقوله:
أرعى نجوم الليل وهي كأنها * قوارير فيها زئبق يترجرج
وكذلك قال ابن المعتز بهذا الصدد يصف نجوم الثريا:
كأن الثريا هودج فوق ناقة * يحث بها حاد من الليل مزعج
قد لمعت حتى كأن بريقها * قوارير فيها زئبق يترجرج
ولعلنا ننتقل الآن لظاهرة تُشاهد يومياً لمن يراقب شروق الشمس أو غروبها حيث تبدو وكأنها بيضاوية الشكل إذ يظهر قطرها الموازي للأفق أطول من القطر العمودي عليه، وطبعا يعتبر هذا من تأثير الغلاف الجوي مما يندرج تحت ما يسمى بظاهرة الانكسار. وتعتبر ظاهرة الانكسار من الظواهر الطبيعية والتي تتسبب في تغير مسار الضوء خلال اختراقه للهواء أو السوائل وتعتمد شدة الانكسار على نسبة كثافة الطبقتين التي ينتقل من خلالهما الضوء. فمن الأمور المسلم بها هو أن كثافة هذه لطبقات الغلاف الجوي الأرضي تتغير بشدة عن بعضها البعض خلال مسافات متقاربة جدا وحيث أن قرص الشمس يحتل حيز يصل إلى نصف درجة، فلو تخيلنا أن قرص الشمس مقسم إلى شرائح أفقية فإن هذا التأثير يكون متفاوت على الشرائح، فالشريحة الماسة للأفق يكون تأثير الانكسار عليها أكبر مما عليه في الطبقة التي تعلوها وهكذا إلى الشريحة العلوية من قرص الشمس حيث يكون تأثير الانكسار أقل ما يمكن على قرص الشمس. ونتيجة لهذا فإن قرص الشمس يبدو بيضاوي ومنبعج من الأعلى والأسفل لحظة الشروق أو الغروب وهذا ما نلاحظه من الصورة التي تمثل صورة لغروب الشمس وقد اتضح عليها هذا الانبعاج وهو مايطلق عليه علمياً الانكسار التفاضلي لصورة قرص الشمس.