بدأت قصة جسيمنا الغريب عام 1931م حين كان العالم باولي يدرس إشعاع بيتا فوجد من خلال طاقة الجسيمات الناتجة طاقة مفقودة لم يستطع تحديدها حتى عام 1933م حين أعاد اكتشاف سر هذه الطاقة العالم أنريكو فيرمي ليطلق عليها اسم النيوترينو وليطلق معه لغز جديد .النيوترينو واحد من الجسيمات الأساسية و الأولية التي تشكل الكون ينتمي لمجموعة الليبتونات والتي يضم أيضاً الإلكترون والميون وجسيم تاو الليبتوني ومضادات هذه الجسيمات. للنيوترينو سبين يساوي (1\\2) و كتلة سكونية تساوي الصفر ولا يملك أي شحنة كهربائية وهذا ما يجعل النيوترينو لا يتأثر بالقوة الكهرطيسية (بعكس الإلكترون الذي يتأثر بهذه القوة) لكنه يتأثر بالقوة النووية الضعيفة فقط وهذا ما جعله من فئة الليبتونات وليس من فئة الهادرونات والتي تتأثر بالقوة النووية الشديدة إضافة للقوة الكهرطيسية والنووية الضعيفة (تعد الكواركات نواة هذه الفئة والجسيم الأولي فيها). ونعني بمصطلح الأولية في هذا السياق أن أياً من هذه الجسيمات لا يتكون من جسيمات أدنى منه. ينتج النيوترينو عند انحلال (انحطاط) بعض الجسيمات مثل النترون والبروتون والميزون وتصدره أيضاً النجوم بغزارة وكثافة عالية وبما أنها لا تأبه إلا نادراً لوجود الجسيمات الأخرى فهي بذلك صعبة الالتقاط وهنا ظهرت أهمية هذه الجسيمات .
محمد العصيري-عضو الجمعية الكونية السورية- عضو منتسب
إن هذه الكثافة العالية لجسيمات النيوترينو في الكون تجعل منها مرشحاً لأن تكون المادة المظلمة التي تشكل الجزء الأعظم من الكون وتمسك الكون بكتلتها الهائلة وبالتالي تمتلك سر تحديد نهاية الكون ومصيره سواء كانت هذه النهاية بتمدد الكون واستمرار تمدده حتى تفلت زمام الأمور من القوة الثقالية (في هذه الحالة كتلة المادة المظلمة كاملة لا تكفي لتماسك الكون وضبط توسعه) أو كانت بتمدد الكون لحد معين ثم تقلصه من جديد ليعود كما كانت لحظة ولادته (المادة المظلمة في هذه الحالة كافية لكبح جماح التوسع وقوة الجاذبية تعمل عملها).
كما يمكن أن تشارك جسيمات النيوترينو بشكل كبير في الحلقة التي توحد القوى الكونية الأربعة (النووية الشديدة والكهرطيسية والنووية الضعيفة والثقالة) في قوة واحدة وفي قالب نظرية موحدة للكون هذه النظرية التي كان يعمل العالم أينشتاين على إيجادها في أواخر حياته لينتقل هذا العمل إلى هدف لكل عالم فيزيائي يبحث عن معادلة تفسر الكون من الانفجار العظيم (Big Bang) حتى نهاية الكون .
إن لغز النيوترينو يكمن في الإجابة عن عدد من الأسئلة منها:
هل للنيوترينو كتلة؟ هل النيوترينوات تسير بسرعة الضوء ؟ هل هناك نيوترينو مضاد وفقاً لمبدأ ديراك؟
إن العلماء حالياً استطاعوا الإجابة عن سؤال واحد حين اكتشفوا أن هناك ثلاثة أنواع
للنيوترينوات هي نيوترينو الكترون و نيوترينو ميون و نيوترينو تاو.
إن نيوترينو إلكترون يمثل أهم هذه الأنواع حيث يمكن القول عن الزوج نيوترينو إلكترون أنه يهتز وأنه يتحول لأحد الأنواع الأخرى نيوترينو ميون و نيوترينو تاو
الناتجان من إشعاع الميون والتاو (وهما جسيمين أوليين كما ذكرنا) ورافق هذا الاكتشاف العثور على الأضداد الثلاثة لهذه النيوترينوات أي مضاد نيوترينو إلكترون ومضاد نيوترينو ميون ومضاد نيوترينو تاو. لكن بما أن ليس للنيوترينو شحنة فكيف يوجد مضاد نيوترينو؟
إن مضاد النيوترينو لا يمتلك شحنة كهربائية لكنه يختلف عن النيوترينو بالرقم الليبتوني الذي يعتبر دليل للجسيمات الليبتونية (من فئة الليبتونات) ويأخذ هذا الرقم القيمة (+1) للجسيمات و (-1) للجسيمات المضادة وهذا الرقم افتراضي رياضي بحت وجد لتسهيل حل معادلات إشعاع الجسيمات و تفككها هذا الرقم يشبه ما كنا نقوم به من عمليات حسابية لموازنة معادلات التفاعلات الكيميائية وهذا الرقم خاص لفئة الجسيمات الليبتونية وهو يأخذ القيمة صفر للجسيمات الأخرى (الجسيمات من فئة الهادرونات وجسيمات بوز) وبالمثل يوجد الرقم الهادروني الخاص بالجسيمات الهادرونية ويأخذ القيمة صفر من أجل الجسيمات الليبتونية.
لكن ما يزال السؤال الأكبر لم يجد الإجابة:هل للنيوترينو كتلة ؟
إن السؤال عن كتلة النيوترينو الخفي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفرضية اهتزازات النيوترينو فإذا كان للنيوترينو كتلة صغيرة خلافاً لافتراضات النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات لأمكن للنيوترينو بأن يتحول إلى أحد النوعين الآخرين نيوترينو ميون و نيوترينو تاو فقد قام بعض العلماء بتجربة متميزة في هذا المجال بينت أن النيوترينوالكترون يقضي ردحاً من حياته في صورة نيوترينوميون بل حتى نيوترينوتاو مما دفع العلماء لاستجرار مبادئ علم جديد هو الميكانيك النسبوي إلى ساحة هذه التجربة مما نتج عن ذلك وجود كتلة للنيوترينو هذه الكتلة بالغة الضآلة لا تتجاوز واحد من عشرة ملايين جزء من كتلة البروتون ولعل ضآلة هذه الكتلة أخر اكتشافها لكن هذا لا يؤكد امتلاك النيوترينو للكتلة لوجود تجارب أخرى تثبت أن النيوترينو لا كتلة له فما زال الموضوع مفتوحاً ولم يعطي العلم الجواب النهائي بعد لأن إمكانية تفسير هذا السؤال تجريبياً في هذا الوقت اعتمادا على المسرعات الموجودة غاية في الصعوبة بسبب عدم توفر التكنولوجيا المناسبة و الطاقة العالية وحتى نستطيع الإجابة عن هذا السؤال سيبقى النيوترينو لغز من ألغاز كوننا العظيم .