قد يُعتقد أن الفضاء الذي تسبح فيه الكرة الأرضية حول الشمس خالي من الشوائب بينما يحتوي في الحقيقة على العديد من المخلفات الفضائية التي تتركها المذنبات خلال زياراتها الدورية حول الشمس. إذ تؤثر الرياح الشمسية على جِرم المذنب وتقوم بتفتيت طبقاته الخارجية مما يجعلها تظهر على شكل هالة، ونتيجة سرعته تمتد على شكل ذيل خلفه، تاركة الكثير من بقايا المذنب منتشرة على نفس المسار. ولأن بعض المذنبات تدور في مستوى قريب من المستوى الذي تدور فيه الأرض حول الشمس فان المسارين لابد أن يتقاطعا في نقطتين، فإذا حدث أن كانت الأرض تمر خلال هذه التقاطعات فسيظهر في السماء ما يُدعى بالزخات الشهابية (طبعاً بعد مرور المذنب) والتي تظهر على شكل أعداد كبيرة من الشهب، تنطلق من نقطة محددة في السماء، ويعتمد معدلها على بُعد فترة مرور المذنب. بينما في الأوقات العادية يكون ظهور الشهب محدود العدد لأن الأرض خلال معدل منخفض نسبياً من المخلفات الفضائية. وتعتمد كيفية ظهور الشهب على الجرم المسبب لها، فإذا كان صغير الحجم فإنه يظهر كخيط لامع سريع الاضمحلال متحولاً إلى رماد ولا يصل إلى الأرض منه شي، وقد أشار إلى ذلك الشاعر لبيد في رثائه لطفيل بن عامر بقوله:
"وما المرء إلا كالشهاب وضوءه * يحور رماداً بعد ما كان ساطعا"
بينما إذا كان كبير الحجم فيكون ظهوره لافتاً ومخيفاً صورها لنا الشيخ عمر الشبامي واصفاً مرور شهاب عظيم وبشكل ناري مخيف تمت رؤيته في مدينة تريم سنة 1116هـ فقال:
إن نــــــار قد تبدت * عـــبرة للنــــاظر
فانثنى من قد رآها * بفــــوائـد طــائر
بتـريم شـــــاهدوهـا * عن دليــل ظاهر
وقد تتسبب كيفية دخول الجرم الفضائي إلى غلافنا الغازي أن تكون حركته شبه موازية للأفق مما قد لا يُمَّكن الجاذبية الأرضية من اقتناصه، فيستمر في اختراقه للغلاف الجوي لمسافات طويلة مما يجعله يسقط على الأرض على مسافات بعيدة جدا عن أماكن رؤيته، ولعل هذا ما يمكن أن نطلق عليه المرور النيزكي أو قد يتسبب سيرة للمسافات الطويلة في الغلاف الغازي إلى تجزئته في الجو وهذه العملية يمكن أن يصدر عنها ما يشبه الانفجار الذي قد يلفت النظر إضافة إلى العبور ذاته. ولعل هذا ما قد ينطبق على ما تمت رؤيته مساء يوم الجمعة 29 جمادي الأولى 1428هـ في السماء وقد امتدت الرؤية من الأردن شمالاً إلى عُمان جنوباً مروراً بالسعودية وكذلك في الإمارات وإيران والعراق ومصر. وقد تناولت الأخبار هذه الظاهرة بأنها الأول من نوعها، بينما أنها متكررة الحدوث على فترات طويلة، ولشدة توهجها قد تُرى نهارا كذلك كما سنرى في الأمثلة التالية.
فبالنسبة لمنطقة نجد فقد أشارات الأبحاث إلى مرور جرم سماوي عظيم وهائل له نفس مسار الشهاب الأخير من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي وذلك في حوالي سنة 1280 هـ. وإليه نسب بعض الباحثين نيزك الوبر في الربع الخالي. أما الشيخ صالح بن عثمان الصالح (وزارة التربية والتعليم- متقاعد) فقد كان ممن شاهدوا شهاباً مرَّ عبر سماء المجمعة وروضة سدير (شمال الرياض) باتجاه القبلة، من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، وقد امتد ذيله على طول صفحة السماء بغرض مابين المتر والمترين، وكان ذلك عام 1366هـ.
في سنة 1313هـ قد سُجلت مشاهدات في حلب بسورية لمرور شهابي كان مساره من الغرب إلى الشرق وذلك وقد وُصف كما يلي "سطع بين العشائين ضياء دهش الناس استغرق خمس دقائق وقد انتبه له الناس من داخل خلواتهم وجعلوا ينظرون إليه وبينما كانوا يرونه جرماً ملتهباً آخذ بالهبوط إذ بصروا به جرماً عظيماً كأنه قطعة سحابه ناريه يتطاير منها شرر كأنها جمرة تتلظى ثم اخذ لونها بالبياض حتى عادت كأنها غمامة بيضاء استمرت تشاهد في الجو نحو ساعتين وقد ترك حين نزوله من العلو اثر محمراً بقي قدر ساعتين وشوهد هذا الحدث أيضا من تركيا ومن جزيرة قبرص.
ولشدة لمعان مثل هذه الظواهر فإنه يمكن أن تُشاهد نهاراً وذلك كما حدث في مكة المكرمة يوم الاثنين 11 ذي القعدة 1079هـ وكان ذلك بعد طلوع الشمس بساعتين إذ ظهر في عين الشمس أو بالقرب منها (جهة الشرق) ضوء هائل كالنجم ثم انه استطال وامتد إلى جهة الغرب وحصل لمن رآه حال بدأته غشاوة على بصرة فارتعدت منه الفرائص وانزعجت منه القلوب وفي ضوئه زرقة وحمرة وصفرة ثم ذهب طرفاه وبقي الوسط واتسع في العرض مخرج منه صوت كالرعد ولم يكن في السماء غيم ولا سحاب وظن بعض الناس انه صوت مدفع واستمر ساعة ثم اضمحل الباقي من ذلك الشعاع. وفي التاريخ الحديث تم تصوير مرور نيزكي في سماء كندا نهاراً في 9/7/1392هـ بسرعة ما بين 10-15 كلم / ث وقد فاق لمعانه البدر وكان ارتفاعه 76 كلم فوق اوتاه واقل ارتفاع تدنى إليه كان حوالي 57 كلم فوق مونتانا، وقُدر قطر جرمه بحوالي 80 متر.
أما فيما يتعلق بوصف شهاب 1428هـ وما صاحب ذلك من الإشارة بأن الذيل كان يتحرك أمام الجرم المصاحب له فلابد من التأكد من صحة هذه المعلومة وخاصة لانعدام البواعث الديناميكية الحاثة على جعل الذيل في الأمام، ومن خلال اتصال مباشر بالأخ يوسف الحموز أحد أعضاء الجمعية الفلكية الأردنية وممن شاهدوا هذا الشهاب فقد أفاد بان الذيل كان خلف الجرم المضي وليس أمامه.
وبالنسبة لوضع الذيل في الأمام فإنه يحدث للمذنبات في بعض الأحيان وذلك أثناء رجوعها إلى الفضاء الخارجي وبعد دورانها حول الشمس إذ تسير في نفس اتجاه الرياح الشمسية، وبما أن سرعة الرياح الشمسية تفوق سرعة المذنب فإنها تعمل على دفع الذيل الغازي الخفيف أمام المذنب، فيظهر وله ذيلين احدهما (الغازي) من الأمام والآخر (الترابي) من الخلف، وهذا ما لا ينطبق على الأجسام التي تحترق وتتحرك داخل الغلاف الجوي للأرض. وإذا أردنا الجمع بين وصفي الشهاب الأخير بأن كان له ذيل أمامه ثم أصبح خلفه فنعتبره شظية من مذنب سابحة في الفضاء بذيل أمامي بفعل الرياح الشمسية ثم حدث أن اخترقت الغلاف الغازي الأرضي كشهاب تكون له ذيل من الخلف. ولعل الأيام ستوضح ما خفي عنا من حقائق والله أعلم.
د. حسن بن محمد باصرة
رئيس قسم الفلك والفضاء
جامعة الملك عبد العزيز
25/ 6 / 1428هـ