تفاوت مواعيد البروج والمنازل مع التقاويم
زين المولى عز وجل السماء بالنجوم والبروج وجعلها للاهتداء كما ورد في قوله: وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون( الأنعام:97) صدق الله العظيم.
وقد تطلب الاهتداء بالنجوم التعرف على توزيعاتها واتجاهاتها ومطالعها ومغاربها وتنوعها باختلاف المواسم والفصول ومع التمرس والتكرار عرف سكان الصحاري ورواد القفار مجموعات النجوم كما عرفوا عرصات الأرض وفيافيها وكل ذلك كان بالدربة والتجربة فبالسليقة قصوا أثر السماء كما على الأرض فعلوا.
وقد وزعت النجوم إلى 88 مجموعة شملت أرجاء الكرة السماوية المحيطة بالأرض وكما ما للأرض قطب فللكرة السماوية قطب يقع على امتداد محور دوران الأرض، وبدورانها تبدو النجوم وهي تتحرك ظاهريا من الشرق إلى الغرب، وهنالك أيضا دائرة استواء سماوية محاذية لخط الاستواء الأرضي.
وأثناء رحلة الأرض السنوية حول الشمس يتحرك مسقط الشمس على صفحة السماء في مسار دائري يدعى بدائرة البروج، يشتمل هذا الشريط على البروج الشمسية انظر الشكل (1).
الشكل ( 1) يتغير مسقط الشمس مابين النجوم أثناء دوران الأرض حول الشمس خلال رحلتها السنوية. ويطلق على هذه النجوم المجموعات البروجية. نصف هذه البروج تكون ظاهرة ليلاً بينما البقية يكون مسقط الشمس بينها. وتقع الشمس هنا في برج القوس, ويكون البرج المقابل له هو الثور, ويقع في منتصف دائرة البروج ليلاً.
وتمتد دائرة البروج خلال السماء من الشرق إلى الغرب مائلة ثلاثاً وعشرين درجة ونصف على دائرة الاستواء السماوية وبالتالي ينقسم الشريط البروجي إلى نصفين: أحدهما : شمالي (شامي)، والآخر: جنوبي (يماني) ، وتتقاطع الدائرتان (دائرة البروج و دائرة الاستواء السماوية) في نقطتي الاعتدالين الربيعي والخريفي.
وتمثل نقطة الاعتدال الربيعي أول يوم وأول درجة من برج الحمل وتوافق21 من مارس، كما هو معروف في التقويم الميلادي الحالي وهذا خطأ يعرفه أصحاب الاختصاص، فقد كان ذلك صحيحا في الوقت الذي تم فيه تم وضع التقويم الميلادي أي قبل ما يربو على ألفي سنة (2056سنة) فآنذاك كان مسقط الشمس على أول نقطة ببرج الحمل يوافق يوم 21 مارس وهو يوم الاعتدال الربيعي. أما اليوم فإن مسقط الشمس يوم 21 مارس لم يعد ببرج الحمل بل ببرج الحوت كما يوضحه الشكل (2).
الشكل (2) موقع نقطة الاعتدال الربيعي في السماء (تقاطع دائرة الاستواء السماوية مع دائرة البروج) فموقعها الآن هي في برج الحوت وستنتقل إلى برج الدلو كما كانت في الحمل.
وأسباب هذا التغير هو وجود تأثير واقع على محور دوران الأرض بسبب تفلطح شكلها، حيث إن جاذبية كل من الشمس والقمر لا تؤثر على جميع النقاط على سطح الأرض بالتساوي مما يجعل محورها يدور في حركة دوامية على دائرة نصف قطرها 23.5 درجة، انظر الشكل (3) يقع النجم القطبي "عليها".
الشكل (3) يتغير اتجاه محور دوران الأرض تحت تأثير جاذبية الشمس والقمر مما ينتج عنه ظاهرة ترنح الأرض. ويكون معدل التحرك حوالي درجة واحدة كل سبعين سنة شمسية وهو ما يُطلق عليه تزحلق الفلك.
ويكمل محور دوران الأرض هذه الدورة في قرابة 25800 سنة شمسية، أي درجة واحدة كل سنة شمسية. هكذا فأي تأثير في اتجاه محور دوران الأرض سينعكس على موقع دائرة الاستواء السماوية ويجعل تقاطعها مع البروج يتزحزح تحت هذا التأثير من برج إلى آخر بنفس هذا المعدل، وهو ما يطلق عليه تزحزح الأبراج (Precession). وبافتراض أن البرج ثلاثين درجة فإن نقطة الاعتدال تظل في البرج نحو 2100 سنة شمسية وهي الآن ببرج الحوت منذ عدة قرون وستنتقل إن شاء الله خلال القرون الستة القادمة من برج الحوت إلى برج الدلو لتبلغه في نحو سنة 2597م.
وقد لاحظ علماؤنا الأوائل هذه الحركة وأطلقوا عليها تزحلق الفلك وقدروا معدل هذا التزحزح بنحو درجة واحدة (تقريبا يوم واحد) كل اثنتين وسبعين سنة هجرية وهي المدة الموافقة لسبعين سنة شمسية. هكذا فإن هذه الحركة تتسبب في الاختلاف الواقع في دخول الأبراج والمنازل مع التسلسل اليومي في التقويم الميلادي، وهو نفس السبب الذي يُلاحظ اليوم من اختلاف ما بين ما يُشاهد ويُرصد وبين ما سجله لنا الأوائل.
وهكذا فإن أمر الاختلاف في مواعيد الطوالع والمساقط للمنازل والبروج ليس بالجديد إذ كان علماء العرب قديما يعرفونه ويلمون به وخاصة واضعي التقاويم فهم يدخلون تأثير هذا التزحزح المتضمن يوما واحدا في حساباتهم لكل 72 عاماً هجريّاً، لكن الجديد أننا نسينا تراثنا واكتفينا بما بلي منه وليتنا حفظناه بل زادت رقاعه بنا. فتكلفنا وضع أسباب لهذا الاختلاف والكثير مما نضع يخالف الوقائع الطبيعية والذهنية فيظهر المدى الذي نحن فيه من كوننا عالة على هذا التراث العظيم الذي نبكيه وهو يبكينا لكثرة ما نفتخر به نظريا ولا نطال منه إلا الفتات وليتنا استوعبناه، الأمر الذي دعاني لقول:
فتاتك قد تعاظم في عيون *** وزادتك الرقاع بها صغارا
هذا فإن أصبت فمن الله وإن أخطئت فمن الشيطان ونفسي.
د. حسن بن محمد باصرة
رئيس قسم الفلك – جامعة الملك عبدالعزيز
25 صفر 1431هـ