يبدو السؤال من ظاهره بسيطاً ولكن تنطوي الإجابة عليه إلى التطرق لمفاهيم فلكية مهمة والتي سنحاول من خلال هذا المقال تبسيطها. لعل من يلاحظ السماء في فترات مختلفة من العام يجد أن النجوم تبدو أكثر لمعاناً في فصل الشتاء أكثر من أي فصل آخر من فصول السنة والحديث هنا للمناطق الواقعة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ولكن لماذا؟ السبب الرئيسي يكمن في أن الأشهر الشتوية الثلاثة( ديسمبر ،يناير وفبراير) نكون فيها مواجهين تماماً لذراع المجرة الحلزوني الذي تنتمي إليه شمسنا. وماذا يعني ذلك؟
قبل أن نخوض في الإجابة على السؤال لابد من مقدمة بسيطة نتحدث فيها عن ذراع المجرة الذي تنتمي إليه مجموعتنا الشمسية.
في أي ذراع نحن من أذرع مجرة درب التبانة الحلزونية؟
لا يخفى على الكثير منا أننا نقبع في حيزٍ صغير من الكون تعج به ملياراتٍ من النجوم يدعى "مجرة درب التبانة". ومجرتنا في شكلها تأخذ شكلاً حلزونياً، حالها حال ثلثي مجرات الكون. في الحقيقة درب التبانة تُصنف على أنها مجرة حلزونية مضلعة (barred spiral galaxy) وهي مجرة يتوسطها ضلع أو قضيب من النجوم (أو بالأحرى حوصلتها ضلعية الشكل)، مما يعني أن لمجرتنا ذراعين رئيسين وأذرعاً فرعية أخرى. ولكن هل نحن ضمن أحدهما؟
هذه بالطبع ليست مجرة درب التبانة فحتى يتم تصويرها علينا الخروج من قطرها. هذه لصورة تعود لمجرة حلزونية مضلعة تُدعى NGC 1300 وهي من نفس النوع التي تنتمي له مجرتنا.
يبلغ قطر مجرتنا 100,000 سنة ضوئية ومجموعتنا الشمسية تبعد بحوالي 25,000 سنة ضوئية من مركزها. هذه المسافة جعلت شمسنا ليست واقعةً على أحد الذراعين الرئيسين للمجرة، وبدلاً من ذلك فإننا نقع على أحد أذرعها الفرعية. ذلك الذراع هو ذراع الجبار (Orion Arm) أو ما يطلق عليه أحياناً بالذراع المحلي وهو ذراع قصيرٌ نسبيا حيث يبلغ طوله نحو 10,000 سنة ضوئية وعرضه 3,500 سنة ضوئية، ويقع بين ذراعين فرعيين آخرين وهما ذراعا القوس و برشاوس(حامل رأس الغول). أما بالنسبة لإسمه فهو مشتق من كوكبة الجبار(الصياد) المشهورة في فصل الشتاء وأبرز نجومه: منكب الجوزاء، الرجل، نجوم حزام الجبار الثلاثة بالإضافة لسديم الجبار. وجميعهم جيرانٌ لشمسنا وذلك لوقوعهم في نفس الذراع الذي تنتمي إليه الشمس. ولعل هذا ما يفسر ألمعية كوكبة الجبار من بين الكوكبات السماوية الأخرى، فأثناء نظرنا لهذه الكوكبة فإننا في الواقع ننظر إلى الذراع الذي نقع فيه ضمن المجرة.
النقطة الزرقاء تشير إل موقع المجموعة الشمسية من المجرة. الأسهم المخططة تشير إلى النجوم المتسارعة نحو الأرض، حيث يُعتقد أنه بالإمكان رؤويتها من سماء الأرض مستقبلاً. أما الأسهم الأخرى فتشير إلى النجوم المتسارعة والمبتعدة من الأرض.
أذرعة المجرة، وذراع الجبار هو القوس القصير بني اللون، وتقع عليه المجموعة الشمسية (أصفر)، متفرعا من ذراع رامي القوس Sagittarius-Carina، إلا أن بعض العلماء يراه جزءا من ذراع حامل رأس الغول Perseus Arm.
والآن لماذا تبدو النجوم أكثر لمعاناً في الشتاء؟
لنتصور أننا في الوقت المغاير من العام و بالتحديد في الأشهر الصيفية الثلاثة (يونيو ويوليو وأغسطس) حيث أننا في هذه الفترة نكون مواجهين لمركز المجرة الذي يبعد عنا حوالي 25,000 إلى 28,000 سنة ضوئية. ومعلومٌ أن العديد من النجوم تتمركز في وسط المجرة فلهذا تحجب شدة الإضاءة وكثرة الغبار الكوني في مركز المجرة رؤية ما ورائها من النجوم؛ فيتجمع ضوء النجوم على إمتداد 75,000 سنة ضوئية (مجموع المسافة من الأرض إلى مركز المجرة ومن مركز المجرة إلى ماورائها من الطرف الآخر).
أما في فصل الشتاء فإننا ننظر للجهة المقابلة من المجرة وبالتحديد إلى ذراع الجبارالذي تنتمي إليه مجموعتنا الشمسية ويضم نجوماً عملاقة. وبما أن ذراعنا المحلي لا يبعد سوى 25,000 سنة ضوئية من طرف المجرة، لهذا لا توجد على طول هذه المسافة العديد من النجوم مقارنةً بمثيلاتها في الصيف والتي نكون فيها على طول 75,000 سنة ضوئية من الطرف الآخر من المجرة. ضعف تكتل ضوء النجوم ضمن مسافة صغيرة نسبياً خلقت من ليالي شهور الشتاء ظرفاً مثالياً للمعان النجوم على مدار العام.
الأسهم الحمراء تشيرإلى اتجاه السماء في أشهر الصيف حيث تكون مواجهةً لمركزالمجرة. أما الأسهم الزرقاء فتشير إلى تجاه السماء في أشهر الشتاء حيث تكون مواجهة لذراع الجبار.
وهل هذا ينطبق على القمر؟
ما ذكرناه بخصوص لمعان النجوم في فصل الشتاء لا ينطبق بالضرورة على لمعان القمر في طور البدر. لأن لمعان القمر يتأثر بعوامل كثيرة كبعده وقربه من الأرض وهذا ما نطلق عليه بالحضيض (perigee) و الأوج (apogee). ومن العوامل الأخرى التي يتأثر بها لمعان القمر هو مسافة الأرض (وبالتالي القمر ) من الشمس، فعندما تبلغ الأرض أقرب نقطة لها أو ما يسمى بالحضيض الشمسي (perihelion)، فإن القمر يعكس كمية أكبر من ضوء الشمس فيزداد لمعانه بنسبة 4% للعين البشرية. بالإضافة للعوامل الجوية التي تعلب دوراً كبيراً في الحد من الرؤوية كالأتربة والعوالق الجوية والغيوم. مع ذلك قد يوفر الشتاء ظرفاً مناسباً للمعان القمر وذلك من وجهين:
1- إنخفاض القوس الذي تقطعُ به الشمسُ السماء في الشتاء أثناء النهار وبالتالي إرتفاع مسار القمر في السماء أثناء الليل. هذه العلاقة العكسية في الإرتفاع بين القمر والشمس، تبقي القمر مرتفعاً في السماء حتى بلوغه طور البدر. وشدة لمعان أي جرم في السماء بما في ذلك القمر يتناسب طردياً مع إرتفاعه في السماء. فعندما يكون الجرم السماوي فوق رؤوسنا تماماً (نقطة السمت) تسقط أشعته بزاوية عمودية ومركزة، بخلاف ما إذا كان مرتفعاً في السماء ولكن ليس بزاوية عمودية أو أن يكون قريباً من الأفق.
2- أثناء الشتاء يمتاز الهواء ببرودته وبالتالي سرعة تكثف بخار الماء العالق في الجو. هذا يمنع من الحد في الرؤوية للطبقات العليا في الغلاف الجوي مما يعطي سماءً صافية من الرطوبة و الغبار.
م.إسماعيل إبراهيم المعراج
المنسق العلمي وعضو مجلس الإدارة