شروقٌ متأخرٌ للشمس وغروبٌ باكرٌ لها، نهارٌ قصير وليلٌ طويل. هذا ما يحدث فعلاً منذ مطلع شهر ديسمبر من كل عام إلى أن يحين يوم 21 منه ليعلن بذلك عن ظاهرةٍ فلكيةٍ سنوية يُطلق عليها "بالإنقلاب الشتوي" في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. يحدث الإنقلاب (سواءً صيفياً كان أم شتوياً) في نفس اللحظة ذاتها في أرجاء الكرة الأرضية. ففي عام 2012 الموافق 21 من شهر ديسمبر وعند الساعة 2:12 ظهراً بتوقيت مكة المكرمة (11:12 UTC) يحدث الإنقلاب الشتوي.
الليل والنهار لحظة الإنقلاب الشتوي في 21 من شهر ديسمبر
حاول القدماء تتبع مسار الشمس عند قطعها للسماء فخلصواإلى أن طول النهار و مواقع غروب الشمس و شروقها تتغير جميعها بطريقة منتظمة خلال العام. وعلى إثر ذلك قاموا ببناء معالم لهم كحجارة ستونهنج التي بُنيت في عصر ما قبل التاريخ لغرض متابعة سلوك الشمس بشكل سنوي. ولكننا وفي العصر الحاضر وبفضل التقدم العلمي و التكنلوجي، صار بالإمكان مراقبة الظواهر الفلكية من الفضاء الخارجي. اليوم ننظر إلى الإنقلاب الشتوي على أنه حدثٌ فلكي ينتج من ميلان محور الأرض ودورانها حول الشمس. من المعلوم أن الأرض لا تدور حول نفسها بشكل عمودي تماماً وإنما ينحرف محور دورانها بمقدار 23.5 درجة ، ولهذا فإن كمية الطاقة التي تستقبلها الأرض من الشمس تكون متغايرة عند النصفين الشمالي والجنوبي منها. ومن الأخطاء الشائعة القول بأن الصيف والشتاء ينشأن كنتيجةٍ لقرب أو بعد الأرض من الشمس، ولكن الحقيقية العلمية أن الصيف والشتاء ينشأن بسبب إنحراف محور دوران الأرض حول نفسها بمقدار 23.5 درجة.
أشعة الشمس أثناء الإنقلاب الشتوي. يكون القطب الشمالي في ظلام طيلة 24 ساعة بينما يقضي القطب الجنوبي يومه في نهار.
عند الإنقلاب الشتوي، تكون أشعة الشمس عمودية تماماً على مدار الجدي وهو خطٌ وهمي يقع أسفل خط الإستواء بـ 23.5 درجة. تكون الشمس عمودية فوق رؤوسنا تماماً عند الزوال، والمناطق الواقعة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يكون نهارهم أقصر من 12 ساعة، بينما المناطق الواقعة في نصفها الجنوبي يكون نهارهم أكثر من 12 ساعة في اليوم. ويُلاحظ في النصف الشمالي من الكرة الأرضية تأخر الفجر و تقدم الغروب إضافةً إلى إنخفاض القوس الذي تقطعُ به الشمسُ السماءَ مما يعني ظهورها منخفضةً في السماء أثناء فترة الظهيرة وبذلك يكون الظل الشمسي هو الأطول زمنياً على مدار العام.
إنحراف محور الأرض 23.5 درجة يتسبب في ظاهرة الإنقلاب الشتوي.
حقيقة أكثر تأخر لشروق الشمس و أكثر تقدم لغروبها وعلاقة ذلك بالإنقلاب الشتوي:
كما ذُكر آنفاً فعند الإنقلاب الشتوي يكون الليل هو الأطول في النصف الشمالي من الكرة الأرضية و النهار هو الأطول في النصف الجنوبي منها. ولكن هل يعني هذا أن شروق الشمس هو الأكثر تأخراً في شمال نصف الكرة الأرضية و غروب الشمس هو الأكثر تأخراً في نصفها الجنوبي؟
الكثير يتسائل ويعتقد بصحة ذلك إلا أن الحقيقة هي ليست كذلك. ولفهم ذلك من الضروري معرفة أن الغروب الأكثر تأخراً لا يتعلق بالوقت الذي يحدث فيه الشروق أو الغروب. وإنما يتعلق "بوقت الزوال الحقيقي" (true solar noon) وهو الوقت الذي تكون فيه الشمس في أقصى إرتفاع لها عند قطعها للسماء أثناء النهار. في مطلع شهر ديسمبر يتقدم وقت الزوال الحقيقي بعشر دقائق عن وقته في الإنقلاب الشتوي (21 من ديسمبر) وهذا الفارق يجعل من اليوم الذي يكون فيه الغروب و الشروق الأكثر إبكاراً في نصفي الكرة الأرضية ليس في يوم الإنقلاب الشتوي.
التاريخ الأدق لتحديد اليوم الذي يكون فيه الغروب الأكثر تقدماً يعتمد على خط العرض الجغرافي. فالمناطق الجغرافية التي تلي شمال خط الإستواء يكون هذا اليوم في بداية شهر ديسمبر أما المناطق الواقعة في أقصى شمال الكرة الأرضية (كندا وألاسكا) فيكون هذا اليوم في منتصف شهر ديسمبر، وعلى مقربةٍ من الدائرة القطبية الشمالية يكون هذا اليوم مطابقاً ليوم الإنقلاب الشتوي. وبالمناسبة فإن الغروب الأكثر تأخراً لا يحدث في الإنقلاب الصيفي (بالنسبة للنصف الشمالي من الكرة الأرضية) . وإنما يحدث في بداية يناير للمناطق الجغرافية التي تلي شمال خط الإستواء.